اللؤلؤة بشرى نجم نشيط
عدد الرسائل : 19 العمر : 41 البلد : لبنان العمل/الترفيه : موظفة المزاج : متفائلة تاريخ التسجيل : 30/04/2010
| موضوع: قصة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام الجمعة 20 أغسطس 2010 - 0:00 | |
| قصة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام
لا بدَّ لنا قبل البدء بقصة سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم من أن نقدِّم الكلمة التالية فنقول: خلق الله الإنسان مركباً من عناصر ثلاثة: جسد ونفس وروح. فالجسد: هو هذا الجسم المادي المؤلف من لحم وعظم وعروق وأعصاب ودم، والجسم تنتابه أعراض كثيرة من قوة وضعف وصحة ومرض ونحول وسمن وفتوة وهرم. أمَّا النفس: فهي تلك الذات المعنوية الشاعرة المستقرة في الصدر والتي تسري أشعتها في الأعصاب المنتشرة في سائر أنحاء الجسم.. والنفس هي ذات الإدراك والحس وصاحبة الوجدان والشعور فهي التي تتصور وتتخيل وتحفظ وتتذكَّر وتعقل وهي التي ترضى وتغضب وتسرُّ وتحزن وتتألَّم وتتنعَّم، ما هذا الجسد إلاَّ لباس النفس وثوبها والجسد بالنسبة إلى النفس أشبه بقفص بالنسبة إلى العصفور، وما العين والأُذن وسائر الجوارح إلاَّ نوافذ تطلُّ منها النفس على العالم الخارجي فعن طريق الأذن تسمع وبالعين تُبصر ومن حفرة الأنف تشمُّ وبواسطة اليد والجلد تلمس وتحسُّ وباللسان تتذوَّق. والجسد مطيَّة النفس ومركبها، وهو خادمها الذي به تُنفِّذ رغائبها فبالرِجل تمشي إلى مكان قصدها، وباليد تكسب الأعمال التي عزمت عليها وباللسان تُعبِّر عما يجول في خاطرها. أما الروح: فهي ذلك النور الإلهي الساري في الجسد يبعث فيه الحياة ويحفظه من أن تمتد له يد الانحلال والفناء فبواسطتها تدور أجهزته ويحصل فيه ما يحصل من تمثيل وامتصاص وهضم واحتراقات وتغذية وكبر ونماء ولولا الروح لتوقَّف الجسد عن الحركة ولأصبح خامداً لا حراك فيه شأنه شأن سائر الجمادات. نظام خروج الإنسان إلى هذا العالم: وقد كان خلق الأنفس قبل خلق الأجساد بما لا يعلمه إلاَّ الله من عدد السنين قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيَّتَهُم وَأَشْهَدَهُم عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى..} سورة الأعراف: الآية (172). قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمواتِ وَالأَرضِ والْجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} سورة الأحزاب: الآية (72). فلما أراد تعالى أن يظهر النوع الإنساني لهذا العالم عالم الصور والأجساد جعل لذلك قانوناً وسنة فجعل لكل إنسان والدين: أب وأم، يحمل الأب في ظهره أنفس أبنائه وجميع نفوس ذريته، ثمَّ ينتقل الإبن من الأب إلى رحم أمه منطوية نفسه في ذلك الحوين الذي لا تدركه العين المجردة لدقته وصغر جرمه ومايزال مستقراً في الرحم يتغذَّى وينمو ويتخلَّق يوماً بعد يوم حتى يصبح إنساناً سوياً. وهكذا فالناس كلهم كانوا في ظهر أبيهم آدم صلى الله عليه وسلم ومنه نسلوا، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسانَ مِن سُلالةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَونَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ} سورة المؤمنون: الآية (12-14). وقد شذَّ عن ذلك النظام الذي بموجبه توالد البشر وجاؤوا إلى هذه الدنيا سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم، فقد خلق الله تعالى جسد آدم من تراب ثم أرسل نفس سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم محمولة بواسطة الملك إلى جسدها من غير أن يكون ذلك عن طريق أب. وكذلك كان خلق سيدنا عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فقد أرسل الله نفس سيدنا عيسى إلى بطن أمه بواسطة الملك من غير أن يتوسط أب في نقل هذه النفس الكريمة إليها، قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} سورة آل عمران: الآية (59). وقد فصَّل لنا تعالى قصة حمل أم سيدنا عيسى به، وبيَّن لنا في هذه القصة أنه لا بدَّ وأن يجزي الصادق بصدقه رجلاً كان أو امرأة فقال تعالى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمرانَ عَلَى العَالَمِينَ، ذُرِيّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. والمُراد بكلمة {ذُرِيّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} أي: أنَّ البشر جميعاً متماثلون في الأصل فهم يتوالدون ويتناسلون بعضهم من بعض لا ميزة لأحد على آخر في هذه الناحية. أمَّا كلمة {وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فإنما تُبين سبب التمايز والإختلاف، فإذا كان البشر في الأصل متماثلين لا فرق ولا ميزة لأحد على أحد من جهة النسب والحسب فهذا التمايز إِنَّما يحصل بينهم بحسب الصدق والنية العالية فالله تعالى سميع لما يتطلَّبه كلُّ إنسان عليم بحاله وصدق نفسه وكل من صدق مع ربِّه في طلب الحق والكمال فلا بدَّ أن يجزيه الله بصدقه. ثمَّ ذكر لنا تعالى مثالاً على أهل الصدق فقال: {إذْ قَالَتِ اِمْرأَتُ عِمرَانَ رَبِّ إِنِي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} أي: عزمت أن أجعل هذا الولد الذي أنا حاملة به محرراً أي: خالصاً للقيام بخدمتك وذلك مما تعني به أن يكون ولدها قائماً بفعل الإحسان والخير تجاه عباد الله فلعل الله تعالى يقبل دعاءها ويجعل ولدها مرشداً يدل الناس على الله ويعرِّفهم به ثم تممت داعية بقولها: {فَتَقَبَّلْ مِنّي إِنَّك أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} أي: سميع لقولي عليم بحالي وصدقي في مطلبي. ثمَّ إنها لمَّا ولدت وضعت مريم عليها السلام، قال تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْها قَالَت رَبِّ إِني وَضَعْتُها أُنثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيسَ الذَّكَرُ كالأُنثَى} أي: أنها كانت تتطلب أن يكون مولودها ذكراً ليستطيع أن يقوم بهذه المهمة العالية في الإرشاد والدلالة على الله ثمَّ تابعت القول بما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَإِنِّي سَمّيتُها مَرْيَمَ وَإِني أُعيذُهَا بِكَ وذُرِّيَّتها مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}. وقد استجاب الله دعوة الأم الصادقة فأنبت هذه البنت نباتاً حسناً قال تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَريَّا} أي: جعله صلى الله عليه وسلم ولي تربيتها ونشأت هذه البنت الصغيرة، وما أن بدأت تعي وتميّز حتى أُفعِمَ قلبُها بمحبة الله والإقبال عليه شأنها في ذلك شأن كل ولي مقرَّب إلى الله. وكان الله تعالى يفيض عليها بإقبالها عليه من العلم والمعرفة ما يفيضه على قلوب عباده المؤمنين المقبلين وكان سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم كلما دخل عليها المحراب أي مكان خلوتها للعبادة في محاربتها للشيطان وجد عندها رزقاً أي علماً ومعرفة وبياناً عن كمال الله فيعجب بذلك ويسألها يا مريم من أين جئت بهذا العلم وهذه المعرفة العالية فتقول هو من عند الله، قال تعالى مبيناً ذلك بقوله الكريم: {كلَّما دَخَلَ عَلَيها زَكَريَّا المحرَابَ وَجَدَ عِندَها رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَم أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ}. وهي تريد بكلمة {إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} أي: يرزق كل صادق، وإني صدقت مع ربِّي في طلب الحق فأكرمني بما أكرمني به. والمراد بقولها: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: إِنَّ الأمر لا يحتاج إلاَّ إلى الصدق فلما رأى سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم ذلك وسمع منها ما سمع طلب من الله تعالى أن يرزقه ولداً صالحاً يرثه من بعده فيكون مرشداً وكان صلى الله عليه وسلم لا ولد له فدعا ربه بما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى:{هُنالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّه قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُريَّةً طَيِبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ} سورة آل عمران: الآية (33-38). وهكذا فمسرى الآية يبين لنا أن الرزق الذي كان يجده سيدنا زكريا صلى الله عليه وسلم عند هذه البنت في المحراب ليس هو الجوز والرمان فمثل هذا ليس بمطلب الأنبياء ولا يستدعي أن يتشوَّق النبي للولد ويدعو الله. إنما الرزق هو ذلك العلم والمعرفة التي كان يجدها عندها ويسمعه منها وذلك هو الذي قدَّره وعظَّمه منها ولا يعرف الفضل إلاَّ ذووه. وقد استمرت سيدتنا مريم عاكفةً على الوجهة إلى ربِّها لا تنقطع فكان لها من هذه الصلة الدائمة بربِّها أن طهرت نفسها طهارة أوصلتها إلى درجة تليق معها بأن يصطفيها ربها على نساء العالمين وبذلك أصبحت أعلى النساء عند الله شأناً وأعظمهن منزلةً. وقد زاد بها هذا الصفاء النفسي إلى أن بلغت الدرجة التي يتغلَّب بها نور النفس اللطيف على حجاب الجسم الكثيف والتي يستطيع معها الإنسان أن يشهد الملائكة الكرام فيُخاطبهم ويُخاطبونه وقد أشارت الآيات الكريمة إلى ما نوَّهنا عنه من تلك الطهارة النفسية والإصطفاء كما أشارت إلى ذلك التسامي النفسي الذي أهَّل هذه السيدة الكريمة إلى أن تتلقى خطاب الملائكة الكرام فقال تعالى في كتابه العزيز: {وَإذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيمُ إِنَّ اللهَ اصطفَاكِ وطَهَّركِ واصطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} سورة آل عمران: الآية (42-43). وبما أن الركوع في حقيقته هو ذلك الخضوع النفسي لله تعالى، ذلك الخضوع الذي يتمثَّل في نفس المؤمن الذي شاهد كمال ربه وحنانه فقدَّره حقَّ قدره من بعد أن عرف رحمته بخلقه وإحسانه، وعلى هذا فالراكعون هم في الأصل الأنبياء والرسل الكرام ومن شارف منزلتهم من الصدِّيقين ومن تابعهم من المؤمنين. ولذلك أمر الله تعالى هذه الصدِّيقة بأن تَقْنت لربِّها أي تديم وجهتها إليه تعالى وتسجد له وتركع مع الراكعين. وقد أراد ربك أن يكرمها كما أكرم أمّها بها من قبل فجعلها تعالى أمّاً لرسول من رسله الكرام هو سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم ذلك الرسول الذي كان مجيئه إلى الدنيا بآية من الله تعالى وكانت له في طفولته آية وكانت على يديه من بعد آيات بينات أظهرها الله تعالى ليكون منها عبرة لمعتبر فلعل هذه الآيات تستلفت نظر الإنسان الجاحد وتحرّك فكره الخامد فيثوب إلى رشده ويتعرّف بسببها إلى خالقه. ونبدأ الآن بالآية التي كان بها مجيء هذا الرسول الكريم إلى الدنيا وهي آية حمل أمه به من دون أن يتوسَّط في ذلك أب فنقول: قدَّمنا في مطلع حديثنا عن قصة هذا الرسول الكريم أن الله تعالى جعل لهذا النوع الإنساني في المجيء لهذه الدنيا نظاماً وسنة، أمَّا سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم فكان مجيئه وولادته مخالفاً لهذا النظام والسنَّة، فما حَمَلَه صلى الله عليه وسلم أب إِنما جاء المَلَكُ كما ذكرنا حاملاً تلك النفس الكريمة إلى السيدة مريم عليها الصلاة والسلام وكانت إذ ذاك في مكان عبادتها ملتجئة عن أهلها منصرفة في الوجهة إلى ربِّها مقبلة عليه بكلِّيتها فإذا بها ترى جبريل عليه السلام أمامها وقد أرسله الله تعالى لها فتمثَّل لها على هيئة بشر سوي، قال تعالى مُشيراً إلى قصة الحمل بقوله الكريم: {وَاذْكُر فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً، فاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً}. وقد اضطربت سيدتنا مريم وهي في خلوتها من رؤية هذا الشخص أمامها فقالت وقد حسبته رجلاً: {..إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ} أي: ألتجئ إليه وأحتمي به ويكون ما نفهمه من كلمة {..إِنّي أَعُوذُ بِالرَّحمنِ مِنْكَ} أي: إنني التجأت واحتميت بالرحمن منك فمن أنت؟. والذي نفهمه من مدلول الآية أنه عرَّفها بأنَّه ملك من ملائكة الله فأجابته: {إِن كُنتَ تَقِيّاً} أي: وإن كنتَ تقياً ملَكاً ولكنك بشر، فهل يحقُّ لك مخالفة أوامر الله تعالى والدخول على من حرَّم الله عليك الخلوة بها.. وإلاَّ فما مرادك؟. فأجابها بما ورد في الآية الكريمة {..إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لكِ غُلاَماً زَكِياً} أي: إنني مُرسَل من الله تعالى، وأنا لا أشتهي لكوني غير مكلَّف بحمل الأمانة، إني ملَك لأهب لكِ غلاماً طيباً طاهراً عالي الاسم والشأن فعجبت أن يكون لها ولد ولم تتزوج ولم يمسسها بشر، فأجابته: {..أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَم يَمْسَسْني بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغيّاً، قَالَ كَذلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ولِنَجْعَلَهُ آيَةً للنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً} أي: واقعاً لا محالة وفيما هي تخاطب الملك الذي كان يحمل نفس سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم سرت نفس سيدنا عيسى الطاهرة إليها سريان النور أو كما تسري القوة اللاسلكية محملة على الأثير إلى الهاتف فإذا هو صلى الله عليه وسلم محمول في بطنها، قال تعالى مُشيراً إلى ذلك بقوله الكريم: {فَحَمَلَتْهُ فانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصيّاً، فَأَجاءهَا المَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} أي: ألجأها ألم الولادة إلى الاستناد والتمسك بجذع النخلة. هنالك قالت وقد اجتمع عليها ألم الولادة وألم نفسي آخر هو أعظم من ذلك الألم الجسمي ناشئ عن خوفها أن يتَّهمها الناس بالزنى وتكثر الأقاويل وهم لا يعلمون من أمر تلك المعجزة التي حملت بها شيئاً وقد يُنْكِرُون عليها كل الإنكار وقد لا يُصدِّقونها إذا أرادت أن تعرِّفهم بحقيقة الأمر وهكذا لاقت غمّاً وحُزناً شديداً، والشريف يَكْبُر عليه أن يتَّهمه النَّاس بتهمةٍ باطلة ويتمنَّى أن يموت ولا يتكلَّم عليه أحد بما يلوِّث سمعته وشرفه ولذلك: {قَالَت يَا لَيْتَني مِتُّ قَبْلَ هَذَا وكُنتُ نَسْياً مَنسِيّاً}. وولدت سيدتنا مريم سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم وأراد ربك أن يخفِّف عنها ما تجده من غمٍّ وحزن فأنطق مولودها ساعة ولادته بما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَني قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً}. والمراد بكلمة {سَرِيّاً} أي: ولداً وجيهاً يسري ذكره وشأنه العالي في الآفاق. ثم تمَّم هذا المولود قوله: {وَهُزِّي إِليكِ بِجذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِط عَلَيكِ رُطَباً جَنِيّاً، فَكُلِي واشْرَبِي وقَرّي عَيْناً فَإمَّا ترَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَومَ إِنسِيّاً} سورة مريم: الآية (16-26). والمراد بكلمة {صَوْماً} أي: انقطاعاً عن الكلام. وجاءت سيدتنا مريم بمولودها وأتت به قومها تحمله قال تعالى مُشيراً إلى ذلك: {فَأَتَتْ بِهِ قَومَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} والمراد بكلمة {يَا أُخْتَ هَارُونَ}: في التقوى والصلاح. {فَأشارَتْ إِليهِ قَالُوا كَيفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيّاً} وقد تكلَّم سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم في المهد وأراد الله تعالى أن يجعل من كلامه آية تبين براءة ذمة أمّه بما قد يتَّهمها به المتهمون من جهة، وتنضم إليها معجزة حمْلها به من دون أب من جهة ثانية، فيؤمنون من وراء ذلك بعظمة الله تعالى كما يعظِّمون هذا المولود ويؤمنون برسالته يوم يبعثه الله رسولاً، وقد أشارت الآيات الكريمة إلى كلام سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم في المهد بما ورد في قوله تعالى: {قَالَ إِني عَبْدُ اللهِ آتَانيَ الكِتَابَ وَجَعَلَني نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيّاً، وَبَرّاً بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً، والسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدْتُ وَيَومَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً، ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ الذي فِيهِ يَمْتَرُونَ، مَا كَانَ للهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} سورة مريم: الآية (30-36). وبعد أن ذكر لنا تعالى قصة حمل سيدتنا مريم بسيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم وبعد أن بيَّن لنا تعالى معجزة كلامه صلى الله عليه وسلم في المهد تلك المعجزة التي تبيِّن براءة السيدة مريم من جهة كما تبيِّن رسالة سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم وكونه عبد الله ورسولاً من رسله الكرام ختم لنا تعالى ذلك بقوله الكريم: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ الذي فِيهِ يَمْتَرُونَ، مَا كَانَ للهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} وتفيد كلمة (سُبْحَانَهُ) الواردة في هذه الآية معنى أنه تعالى منزَّه عن أن يكون له ولد لأن المولود من خصائصه أن يحمل صفة أبيه ويشابهه فالله تعالى مُنَزَّه عن أن يشابهه أحد في ذاته أو في أي اسم من أسمائه. وبشيءٍ من التفصيل نقول: إِنَّ الله تعالى أزلي قديم أي أول بلا بداية لا أول لوجوده فمهما قلت أول فهو أول وأول وليس له أول، أما سيدنا عيسى بن مريم فله أول وأوله زمن ظهوره لعالم الوجود وهو بهذا كغيره من المخلوقات التي لها بداية ونهاية والبداية والحدوث صفة تلازم المخلوقات وتتنافى مع الألوهية. والله تعالى صمد في ذاته وفي كل اسم من أسمائه، والصمد هو الذي يُمِدُّ ولا يستمد ولا يحتاج إلى غيره. فالله تعالى مثلاً صمدٌ في حياته بمعنى أنه لا يستمد الحياة من غيره ولا تتوقَّف حياته على أحد أو على شيء من الأشياء، بل هو تعالى الحي منبع الحياة ومصدر الحياة ومنه تعالى وحده تُسْتَمدُ حياة كل مخلوق من المخلوقات. أمَّا سيدنا عيسى فهو كغيره من المخلوقات في هذه الناحية فحياته صلى الله عليه وسلم مستمدة من الله تعالى فإذا انقطع إمداد الله تعالى بالحياة عن سيدنا عيسى مات في الحال. ثم إنَّ الإله إنَّما يكون قائماً بذاته بمعنى أنه لا يحتاج في بقاء وجوده إلى عامل من العوامل أو شيء من الأشياء. أمَّا سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم فهو خاضع للقوانين الكونية التي أبدعها الله تعالى للأحياء فهو محتاج إلى الطعام والشراب والنور والهواء وبقاء حياته متوقف على كثير من العوامل شأنه في ذلك كشأن غيره من المخلوقات. ثمَّ إن الولد يتخذ ليكون عوناً لأبيه ومساعداً له والله تعالى غني عن أن يساعده مخلوق من مخلوقاته، وإذا كان المخلوق إِنَّما يستمد كل شيء من الله تعالى، فكيف يصح أن يستعين خالق قوي بمخلوق ضعيف لاحول ولا قوة له. والإله إلى جانب كل ما ذكرناه إِنَّما يكون مُحيطاً بسائر الموجودات فهو أعظم من كل شيء وأكبر من كل شيء. أمَّا سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم فإنما كان محمولاً على سطح الأرض مُحاطاً بالهواء والفضاء والسموات وذلك كلَّه ممَّا يتنافى مع صفات الألوهية وقد أشارت الآيات الكريمة مبيِّنة فساد ادِّعاء من نسب الألوهية إلى هذا الرسول الكريم فقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الذينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إسْرَائيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ وَمأْواهُ النَّارُ وَمَا لِلظَالِمينَ مِنْ أَنْصَارٍ، لَقَدْ كَفَرَ الذينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وإنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الذينَ كَفَرُوا مِنْهُم عَذابٌ أَلِيمٌ، أَفلاَ يَتُوبُونَ إِلى اللهِ وَيَسْتغْفِرونَهُ وَاللهُ غَفورٌ رَحِيمٌ، مَا المَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيفَ نُبيّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُر أَنَّى يُؤفَكُونَ، قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً واللهُ هُوَ السَّميعُ العَلِيمُ} سورة المائدة: الآية (72-76). وهكذا فتوقف الحياة على الطعام والشراب ينافي الألوهية ويثبت الاحتياج، والإله كما رأينا صمد لا تتوقف حياته على شيء ولا يحتاج لشيء من الأشياء وهو غني عن كل شيء. وقد أرسل الله تعالى سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم لبني إسرائيل وكان الناس في عصره على جانب عظيم من المهارة والمعرفة بالطب فأيَّده الله تعالى بآيات بينات تتناسب مع عصره ويعجز النَّاس مهما برعوا في الطب والمداواة أن يأتوا بمثلها إظهاراً لرسالته فلعل النَّاس يستعظمون رسولهم ويتبعونه فترافق نفوسهم تلك النفس الزكية الطاهرة وتعرج بمعيَّتها إلى خالقها فتشهد الكمال الإلهي وتشهد بذلك النور الإلهي الحقائق فترى الخير من الشر والحق من الباطل وهنالك تعرض عن الدنيا وسفاسفها وتقبل على الله تعالى فتعمل للآخرة وتسعى لها. وممَّا أيَّد الله تعالى به هذا الرسول الكريم أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله وأنه كان يُحي الموتى بإذن الله وقد أشار تعالى إلى ما أظهره على يد هذا الرسول من المعجزات: {وَرَسُولاً إِلى بَنِي إسْرائيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِن رَبِّكُم أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِن الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بإِذنِ اللهِ وَأُبرئُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ وأُحْي المَوتَى بِإذنِ اللهِ وأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيةً لَكُمْ إِن كُنْتُم مُؤْمِنينَ} سورة آل عمران: الآية (49). قال تعالى: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذ أَيَّدتُّكَ بِروحِ القُدُسِ تُكَلّمُ النَّاسَ فِي المَهْدِ وكَهْلاً وإذْ عَلَّمْتُكَ الكِتَابَ والحِكْمَةَ والتَّوراةَ والإنجِيلَ وإِذ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيرِ بإِذنِي فَتنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيراً بإذْنِي وتُبْرئُ الأكْمَهَ والأَبْرصَ بإِذنِي وإِذْ تُخرِجُ المَوتَى بِإِذنِي وَإِذ كَفَفْتُ بَني إسْرائيلَ عَنكَ إذْ جِئْتَهُم بِالبَيّناتِ فَقَالَ الذينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحرٌ مُبينٌ} سورة المائدة: الآية (110). وهكذا فمهما تقدَّم الطب فالأطباء جميعاً في كل زمان ومكان عاجزون عن إحياء الميت وردِّ روحه إليه، وأيَّد الله تعالى رسوله بهذه المعجزة البيِّنة غير أنَّ الإنسان مهما رأى من آيات ومهما ظهر له من معجزات لا يغني ذلك شيئاً إن هو لم يفكر في آيات هذا الكون ويتعرَّف منها إلى خالقه، وما دام هذا الإنسان كافراً أي لا تقدير لديه ولا تعظيم لآيات الله فلا يمكن أن يرجع عن ضلاله ولا أن يُعظِّم ما يراه من المعجزات التي يُظهرها الله على يد رسله. فهذا السيد المسيح عيسى بن مريم صلوات الله عليه وسلامه يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله وينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله ويُبرئ الأكمه والأبرص ويُخرج الموتى بإذن الله ومع ذلك كله تجد الذين كفروا، أي الذين لم يقدِّروا آيات الله ولم يعبؤوا بها يتَّهمونه بالسحر كما اتَّهموا غيره من الرسل صلوات الله عليهم أجمعين. فيقولون إِنْ هذا إِلاَّسحر مبين وقد سمعوا كلام سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم في المهد ثم قالوا إلى جانب ذلك على مريم بهتاناً عظيماً. ثمَّ إِنَّك إلى جانب هؤلاء الكافرين المعرضين تجد آخرين ما آمنوا بالله حق الايمان وما تعرَّفوا إلى خالقهم عن طريق النظر والاستدلال، بل قلَّدوا آباءهم تقليداً أعمى فهؤلاء لمَّا رأوا على يد سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم ما رأوه من معجزات غلوا في دينهم وكفروا أيضاً بالله فقال فريق منهم إن الله هو المسيح ابن مريم. وقال فريق المسيح ابن الله وقال آخرون إن الله ثالث ثلاثة فزعموا أنَّ سيدنا عيسى وأمه إلهين من دون الله كما مرَّ بنا في آيات مضت وقد ندَّد تعالى بكذبهم وكفرهم فذكر لنا موقف سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بين يديه وأشار إلى كذب هؤلاء فيما قالوه عن لسان رسوله الكريم فقال تعالى: {وإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُوني وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنْتُ قُلْتُهُ فقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، مَا قُلْتُ لَهُم إِلاَّ مَا أَمَرْتَني بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُم وكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوفَّيتني كُنتَ أَنتَ الرَّقيبَ عَليهِم وَأنتَ عَلى كُلِّ شيءٍ شَهِيدٌ} سورة المائدة: الآية (116-117). وقد عارضت بنوا إسرائيل سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم معارضة شديدة كما عارضوا من قبل من جاءهم من الرسل الكرام لأنهم فتنوا بالدنيا وشهواتها بسبب إعراضهم عن ربهم فما كان يروق لهم أن يأتيهم رسول بما لا تهوى أنفسهم. قال تعالى مُشيراً إلى موقفهم هذا تجاه رسله: {..أَفَكلَّما جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُم فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} سورة البقرة: الآية (87). وكاد بنوا إسرائيل لسيدنا عيسى كيداً شديداً قال تعالى مُشيراً إلى ذلك بقوله الكريم: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنهُمُ الكُفْرَ قَالَ مَن أَنْصَاري إِلى اللهِ قَالَ الحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ واشْهَدْ بِأنَّا مُسْلِمُونَ، رَبَّنَا آمَنَّا بِما أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدينَ}. وقد حمل الكفر أولئك المعارضين الذين كفروا بربِّهم على تدبير المؤامرات لقتل رسوله صلى الله عليه وسلم كما هي عادتهم، قال تعالى مُشيراً إل ذلك بقوله الكريم: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ واللهُ خيرُ المَاكِرينَ} سورة آل عمران: الآية (52-54). وقد ضاق صدر سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم بهؤلاء الكفرة وهكذا المؤمن كالمرآة الصافية تنعكس في نفسه أحوال المعرضين عن الله فيضيق بهم صدراً ويلقى من جرَّاء اجتماعه بهم غمّاً شديداً ولذلك وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يُطهِّره من الذين كفروا وبشَّره بذلك فقال تعالى: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِليّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذينَ اتَّبعُوكَ فَوقَ الذينَ كَفَرُوا إِلى يَومِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِليَّ مَرْجِعُكُم فَأَحْكُمُ بيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُم فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} سورة آل عمران: الآية (55). وقد بدأت الآية الكريمة بكلمة {إِنّي مُتَوَفِّيكَ}، وليس المراد من التوفي الموت لأن التوفي يقع في حال النوم أيضاً قال تعالى: {وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُمْ بِالليلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فيهِ لِيُقضَى أَجَلٌ مُسَمّىً..} سورة الأنعام: الآية (60). والتوفي لغةً: هو أَخْذك الشيء واستيفاؤك إيَّاه بعد أن تكون قد منحت فيه حق التصرُّف لغيرك حيناً. تقول: توفيت دَيْني من فلان، أي: أخذته واستعدته منه، وتقول: توفَّى فلان حقَّه من غريمه. وبناءً على ما قدَّمناه ولبيان المراد من توفي النفس نقول: إن الله تعالى منح النفس في هذه الحياة الدنيا الاختيار وبناء على اختيارك ينفذ الله تعالى لك مرادك ومطلوبك وتوفي النفس إنما يكون بقبض الاختيار. وكما يقع التوفِّي في حال الموت يقع في حالة النوم. ففي حال النوم يكون توفي النفس بأن يقبض الله تعالى الاختيار من النفس مدة وجيزة وهنالك يستسلم الإنسان لنومٍ لا يستيقظ منه إلاَّ إذا أعاد الله تعالى للنفس اختيارها وعاد عليها بسابق فضله. أمَّا في حال الموت فيكون توفي النفس بأن يقبض الله تعالى من النفس اختيارها قبضاً نهائياً، قال تعالى مُشيراً إلى وفاة النفس في حال الموت ووفاتها في حال النوم ومبيِّناً لنا الفرق بين الوفاتين بقوله تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ التي قَضَى عَلَيهَا المَوْتَ ويُرسِلُ الأُخْرَى إِلَى أجَلٍ مُسَمّىً..} سورة الزمر: الآية (42). ويختلف توفي النفس في حال الموت عن توفي النفس في حال النوم أيضاً بأنَّ توفي النفس في حال الموت يرافقه توفي الروح وقبضها من الجسد. فالروح: وهي ذلك النور الإلهي والذي تكون به حياة الجسد وانتظام سير أجهزته إذا هي قُبضت من الجسد فعندئذٍ يتوقف عن الحركة وتنقطع أجهزته عن القيام بوظائفها وتنعدم منه الحياة فتمتد إليه يد البلى والفناء. ثم إنَّ توفِّي الروح إنما يكون بواسطة الملك، فالمَلك الموكَّل بنفخ الروح في الإنسان عندما يكون جنيناً في بطن أمه هو الموكَّل أيضاً بقبض الروح من الجسد حين الموت قال تعالى مُشيراً إلى ذلك بقوله الكريم: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَلَكُ المَوْتِ الذي وُكِّلَ بِكُمْ..} سورة السجدة: الآية (11). قال تعالى: {..حَتَّى إِذا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} سورة الأنعام: الآية (61). وبناءً على ما قدَّمناه إذا قرنت كلمة (التوفي) بكلمة (المَلَكْ) فهي إنما تعني توفِّي الروح وأعني بذلك الموت وانقطاع الحياة. والآن وبعد أن بيَّنا معنى التوفِّي والفرق بين وفاة الموت ووفاة النوم نقول: بما أن كلمة {إِنّي مُتَوَفِّيكَ} التي خاطب الله تعالى بها سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم لم تقترن بذكر الملك فهي إذاً لا تعني قبض الروح المعبَّر عنه بالموت وإنَّما تُشير إلى توفي النفس وأعني به قبض الاختيار الذي يقع في حال النوم وهكذا فقد توفّى الله تعالى سيدنا عيسى توفّياً أخفى به جسمه عن الأنظار وجعله في حال كحال النائم ويشبه ذلك ما وقع لأصحاب الكهف الذين توفَّاهم الله تعالى مئات السنين دون أن يتطرق البلى إلى أجسامهم ثم بعثهم ليكونوا عبرة للّذينَ كانوا في ذلك العصر الذي بعثهم الله فيه قال تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الكَهْفِ سِنينَ عَدَداً، ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزبينِ أَحصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً} سورة الكهف: الآية (11-12). وبما أن سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لا يُقَرِّب العبد من خالقه زلفى سوى عمله العالي وليس يرفعه إلى ذلك الجناب الإلهي الكريم غير فعله المعروف ودعوته الناس إلى طريق الحق والايمان، وبما أنَّ سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم لقي من قومه ما لقي من الكفر والمعارضة ولم يذعن لدلالته إلاَّ نفر قليل أو ضئيل من الناس لذلك لمَّا أخبره الله تعالى بأنه متوفِّيه حزن أسفاً على أنه لم تحقَّق له نيته العالية ولم يتم له مطلبه في هذه الحياة. وقد أراد الله تعالى أن يُسلِّيه عن ذلك ويُبشِّره بما سيجعله من الخير على يديه فقال تعالى: {وَرَافِعُكَ إِليَّ}: أي لا تحزن فلا بد من أن أُعيدك للناس ثانية وستدعوهم إلى الإيمان فيؤمنون، وإني رافعك إِليّ بصدقك ونيتك العالية، وبما ستقوم به حينئذٍ من دلالتك لخلقي عليّ وجهادك في سبيل الأخذ بأيديهم إلى سبيل الإيمان. وإذاً فليس المراد من كلمة {وَرَافِعُكَ إِليَّ} ما يتبادر إلى الأذهان، أذهان بعض الناس من أنه رُفِعَ إلى السماء. فإن الآية جاءت صريحة بقوله تعالى: {وَرَافِعُكَ إِليَّ} ولم تقل ورافعك إلى السماء والله تعالى هذا الخالق العظيم الذي لا نهاية له مُنزَّهٌ عن أن يُحيط به زمان ومكان فهو خالق الزمان والمكان. ثم إنَّ السماء والأرض عند الله تعالى سيَّان في المنزلة والشأن وكلاهما مخلوق وليس يرفع من شأن الإنسان رفعهُ إلى السماء، إنَّما الذي يرفع الإنسان إلى خالقه ويدنيه من جنابه الكريم عمله العالي وجهاده في سبيل الله ودعوته الناس إلى طريق الحق وهدايتهم إلى الصراط المستقيم. وإذاً فالذي جاءت به الآية الكريمة ليس رفعاً جسمياً إنَّما هو رفع المنزلة والشأن نقول: رفع الأمير فلاناً إليه أي أدناه منه منزلة ومكانة لا جسمياً ومكاناً. أقول: والذي ينفي أيضاً رفع سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم إلى السماء قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيةً وَآويْنَاهُمَا إِلىَ رَبْوةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ} سورة المؤمنون: الآية (50). والربوة: هي المكان المرتفع من الأرض. والقرار: هو الجبل الراسخ المستقر. والمعين: الماء الجاري الذي لا ينقطع، وقد جاء في بعض الأقوال وهو ما رواه البيضاوي في تفسيره والمؤرخ ابن جبير في كتابه "تذكرة الأخبار عن اتفاقات الأسفار" أنَّ هذا الإيواء إِنَّما كان إلى ربوة دمشق، وجاء في بعض الآثار أن ظهور سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان سيكون في دمشق. والآن وبعد أن بيَّنا ما تُشير إليه الآية الكريمة من التوفي والرفع نقول: بعد أن بشَّر الله تعالى سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم بالعودة والقيام بالدعوة إلى الحقِّ أراد تعالى أن يطمئن قلب رسوله بأن النَّاس في زمنه سيهتدون به وسينقلب العالم بأسره إلى عالم مؤمن بالله وستُمحى دولة الكفر من الوجود وتحلُّ محلها دولة التوحيد والإيمان وهنالك ينطوي النَّاس تحت لواء الحق جميعاً فلا يعود يضيق صدرك من أحد ولا تعود تشعر بهذا الضيق الذي تلقاه اليوم من اجتماعك بأهل الكفر والضلال إِنَّك ستجد صفاءً وسروراً وستشعر بهذه الطهارة من هؤلاء الكفار طهارة دائمية وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة بقوله تعالى: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذينَ كَفَرُوا}، ثم بيَّن تعالى أنَّ هذه الدولة دولة الإيمان ستبقى إلى يوم القيامة وسيبقى للمؤمنين الشأن والسيطرة يهتدي العالم بهدْيهم قال تعالى: {وَجَاعِلُ الذينَ اتَّبَعُوكَ فَوقَ الذينَ كَفَرُوا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِليَّ مَرْجِعُكُمْ فَأحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} سورة آل عمران: الآية (55). والآن وبعد أن بيَّنا المُراد من التوفِّي والرفع والتطهير الواردة في الآية الكريمة السابقة لا بدَّ لنا من ذكر موجز القصة التي كانت سبباً في توفي سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم وحجبه عن الأنظار فنقول: لما تآمر اليهود على قتل سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم شاركهم في ذلك رجل منافق منهم كان قد تظاهر بالإيمان وأنه من أتباع سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الذي أرادوا فيه تنفيذ المؤامرة، تقدَّمهم ذلك الرجل إلى المكان الذي كان فيه سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم ليدلَّهم عليه وهنالك حجب الله تعالى رسوله وأخفاه عن الأنظار وألقى الشبه على ذلك الخائن فأخذوه يريدون أن يقتلوه ويصلبوه فتمنَّع تمنُّعاً شديداً وبيَّن لهم أنه ليس بعيسى ونفى ذلك نفياً قوياً فما سمعوا له قولاً بل قتلوه وصلبوه وهم يظنون أنه عيسى صلى الله عليه وسلم وهكذا فقد لقي ذلك الخائن مصرعه ونال جزاءه قال تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيرُ المَاكِرينَ} سورة آل عمران: الآية (54). ثم إِن هؤلاء المتآمرون بعد أن فعلوا ما فعلوا خامرهم الشك فقالوا وهم يتساءلون فيما بينهم إن كنَّا قد قتلنا عيسى فأين صاحبنا وإن كنا قد قتلنا صاحبنا فأين عيسى وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله الكريم: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّه لَهُمْ وإِنَّ الذينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍ مِنْهُ مَالَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَل رفَعَهُ اللهُ إِليهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً}. ثم أشار تعالى إلى عودة سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان وإيمان فريق من أهل الكتاب به قبل موته فقال تعالى: {وَإِن منْ أَهْلِ الكِتَابِ إلاَّ لَيُؤمِننَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} سورة النساء: الآية (157-159). وأشار تعالى إلى خروج سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم وعودته في آخر الزمان في مواضع ثانية من القرآن الكريم فقال تعالى في سورة البيِّنة مخاطباً سيدنا محمَّداً صلى الله عليه وسلم بقوله الكريم: {لَمْ يَكُنِ الذينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنةُ} أي: إِنَّك لتطمع في إيمان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين وهؤلاء لا ينفكُّون عن كفرهم وعنادهم حتى تأتيهم البيِّنة. ثمَّ بيَّن تعالى هذه البيّنة أنَّها رسولٌ من الله فقال تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرةً} والصحف المطهرة ما أرسله الله تعالى من الأوامر الإلهية والتشريع الحكيم الدال على طريق السعادة والخير وهي بحسب الآية التالية الموضحة لها إنما تعني القرآن الكريم، الذي حوى كافة الكتب السماوية والصحف المقدّسة. قال تعالى: {فِيْهَا كُتُبٌ قَيِّمةٌ}، أي أن هذه الصحف المطهرة التي يتلوها رسول من الله إنَّما تضمنت بين طياتها كُتباً ذات قيمة عالية. وما هذه الكتب القيِّمة إلاَّ الكتب الإلهية التي أنزلها الله تعالى على من سبق سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم من المرسلين، وما هذه الصحف المطهرة إلاَّ صحف القرآن الكريم الذي حوى الكتب الإلهية السابقة. ولذلك فالقرآن الكريم بحسب ما ورد في هذه الآيات هو الكتاب الذي سيتلوه سيدنا عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم يوم عودته على الخلق كافة. ثم إنَّ الله تعالى أراد أن يوضِّح لنا توضيحاً لا يتطرَّق إليه الشك أن هذه البيِّنة إِنما هي سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم فقال تعالى في سورة البينة: {وَمَا تَفَرَّقَ الذينَ أُوتُوا الكِتابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ} أي: أنَّ الذين أوتوا الكتاب وهم بنوا إسرائيل لم يتفرقوا إلى يهود ونصارى إلاَّ من بعد ما جاءهم سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم وعلى هذا أصبحت كلمة (البيِّنة) تعني بلا شك سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم. وقد بيَّن لنا تعالى في القرآن الكريم أنَّ ظهور سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان سيكون عِلْماً أي: بياناً للساعة فقال تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ، وَقَالُوا ءَآلِهَتُنَا خَيرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَومٌ خَصِمونَ، إِن هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمنا عَليهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَني إسْرائيلَ، وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَلائِكةً في الأَرْضِ يَخْلُفُونَ، وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقيمٌ، وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيطانُ إِنَّه لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} سورة الزخرف: الآية (57-62). ولعلك تقول: لِمَ توفى الله سيدنا عيسى عليه السلام ذلك التوفي الذي بيَّناه ووعده بأن يعيده في آخر الزمان وما وقع هذا لأحد من المرسلين؟. فأقول: إذا آمن الإنسان بخالقه حقَّ الإيمان وأقبل على الله تعالى حقَّ الإقبال امتلأت نفسه بالكمال وأصبحت تهوى فعل الخير والإحسان. وبما أنَّ الله تعالى لا يعطي امرءاً يوم القيامة منزلة من المنازل إلاَّ بناءً على ما قدَّم من أعمال طيبة وحيث أنَّ سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم لما جاء بالبينات عارضته بنوا إسرائيل كما رأينا من قبل تلك المعارضة الشديدة وما استطاع أن يحقِّق رغائبه ونيَّته العالية في تعريف الناس بخالقهم ودلالتهم عليه تعالى ولذلك وعده الله عزَّ وجل أن يُعيده في آخر الزمان وأن يرفعه بعمله العالي وأن يجعل المؤمنين الذين سيتَّبعونه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، تطييباً لنفسه وإظهاراً لعمله ولما خفي من عالي نيَّته وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة التي قدَّمناها من قبل في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِليَّ وَمُطَهِّركَ مِنَ الذين كَفَرُوا وَجَاعِلُ الذين اتَّبَعُوكَ فَوقَ الذينَ كَفَرُوا إِلى يَومِ القِيامَةِ ثُمَّ إِليَّ مَرْجِعُكُمْ فَأحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} سورة آل عمران: الآية (55). والحمد لله رب العالمين. نقلت هذه القصة من علوم فضيلة العلامة الإنساني محمد أمين شيخو كتاب عصمة الأنبياء www.rchss.com
| |
|
عاشقة الملكي ريال مدريد نجم نشيط جدا
عدد الرسائل : 76 البلد : مدريد العمل/الترفيه : الدكتور المزاج : الدين تاريخ التسجيل : 18/06/2010
| موضوع: رد: قصة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام الجمعة 20 أغسطس 2010 - 19:37 | |
| | |
|